المدونة : تحول المكلف بالضريبة بالضريبة إلى محصل ضريبي – ألية الخصم المالي في ضريبة القيمة المضافة
ما هو الوقت الذي تتحدد فيه القيمة المضافة؟
تتميز ضريبة القيمة المضافة بأنها ضريبة استهلاكية وليس إنتاجية أو تجارية، أي أنها تنصب على شخص المستهلك النهائي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن مراحل عمليات التوريد وعدد التجار الذين يتداولون السلعة قبل وصولها إلى المستهلك لا يمكن تحديده، وهو ما ينعكس على استحالة تحديد القيمة التي ستضاف على ثمن السلعة قبل انتهاء دورة التوريد، ووصول السلعة أو الخدمة للمستهلك.
فمثلاً، قد يقوم المصنع بتوريد البضاعة لتاجر جملة، الذي يقوم بدوره بتوريدها إلى تاجر تجزئة، ثم تصل إلى المستهلك؛ ففي هذه الحالة تكون ضريبة القيمة المضافة محسوبة بنسبة 5%، كالتالي:
• مصنع إلى تاجر جملة = سعر السلعة 50 د.ك، عليها ضريبة 2.5 د.ك.
• تاجر جملة إلى تاجر تجزئة = سعر السلعة 60 د.ك، عليها ضريبة 3 د.ك.
• تاجر تجزئة إلى المستهلك = سعر السلعة 70 د.ك، عليها ضريبة 3.5 د.ك، يتحملها المستهلك كاملة.
وبالمقابل، قد تكون العملية كالتالي:
• مصنع إلى تاجر تجزئة مباشرة لوجود معرفة دون المرور بتاجر جملة = سعر السلعة 50 د.ك، عليها ضريبة 2.5 د.ك.
• تاجر تجزئة إلى المستهلك = سعر السلعة 60 د.ك، عليها ضريبة 3 د.ك، يتحملها المستهلك كاملة.
بناءً عليه، فقد اختلفت الحصيلة الضريبية في الحالتين باختلاف مراحل توريد السلعة، حيث إن هذه المراحل تولد قيماً مضافة تزيد من قيمة الضريبة.
ولذلك، لا يمكن معرفة القيمة النهائية للضريبة إلا بعد انتهاء عمليات التوريد ووصول السلعة للمستهلك.
هذا الواقع المالي، يجبر إدارة الضريبة على تحصيل مبلغ الضريبة من كل تاجر يساهم في دورة التوريد، حتى تصل السلعة أو الخدمة للمستهلك، ويتسنى معرفة القيمة النهائية للضريبة.
ما هي آلية الخصم والاسترداد في ضريبة القيمة المضافة؟
لا يمكن أن تنتظر الخزينة العامة حتى يتم تصريف البضاعة ووصولها إلى المستهلكين، لذلك تقوم بتحصيل الضريبة من التجار في كل مرحلة من مراحل التوريد.
هذا التحصيل لا يعني أن التاجر هو المكلف النهائي بالضريبة، بل إن التاجر يلعب دوراً مزدوجاً بخصوص تحصيل هذه الضريبة بناءً على آلية الخصم؛ وهو دور المكلف المؤقت والمحصل الضريبي.
أولاً: المكلف المؤقت
إذا بدأنا بالمصنع، فهو يقوم ببيع السلعة لتاجر الجملة، لذلك فإن المصنع هو الوحيد في دائرة التوريد الذي لا يكون مكلفاً مؤقتاً على السلعة التي يصنعها ذاتها.
لكن علينا التأكيد هنا، على أن المصنع قد يدفع ضريبة قيمة مضافة على استيراده للمواد الأولية كمستهلك وليس كمكلف مؤقت، حيث إن الاتفاقية الخليجية اعتبرت الكهرباء والغاز والتكييف سلعاً خاضعة للضريبة (م/1)، وهي من المواد التي قد يحتاج المصنع لاستيرادها، وهو من يدفع قيمة الضريبة عنها طالما استوردها من دولة عضو تطبيقاً لفكرة التحصيل نيابة عن المورد أو ما أطلقت عليه الاتفاقية التحصيل العكسي (م/9).
ثم يقوم المصنع بتوريد السلع لتاجر الجملة الذي يكون هو المكلف المؤقت الأول، حيث يقع عليه عبء ضريبي مباشر في سداد القيمة المضافة على السلعة محسوبة من سعر السلعة كما اشتراها من المصنع.
وهذا ينطبق على تاجر التجزئة الذي يلتزم بسداد قيمة الضريبية على السلع التي اشتراها من تاجر الجملة.
لكن هؤلاء المكلفين، هم مكلفون مؤقتون لا ينصب عليهم العبء الضريبي النهائي وفق آلية الخصم.
ثانياً: المحصل الضريبي
في هذه المرحلة يتحول كل مكلف مؤقت من المكلفين خلال مرحلة التوريد إلى محصلين ضريبيين تجاه المكلفين اللاحقين لهم في عملية التوريد حتى تصل الدورة للمستهلك النهائي.
حيث إن تاجر الجملة الذي كان مكلفاً مؤقتاً في تعامله مع المصنع، يلعب دور المحصل الضريبي لدى تعامله مع تاجر التجزئة، فيقوم تاجر الجملة بتحصيل مبلغ القيمة المضافة من تاجر التجزئة لكنه لا يسلمه كاملاً للخزينة العامة، بل يخصم منه المبلغ الذي دفعه كمكلف مؤقت.
الأمر ذاته يتكرر مع تاجر التجزئة الذي يدفع الضريبة لتاجر الجملة كمكلف مؤقت، لكنه يتحول إلى محصل ضريبي في مواجهة المستهلك، وعند تعامله مع الخزانة العامة فهو لا يسلمها مبلغ الضريبة كاملاً الذي حصله من المستهلك، بل يخصم منه المبلغ الذي كان قد سدده مسبقاً لتاجر الجملة.
أمثلة حسابية على الخصم
➢ المرحلة الأولى
لنفرض بأن المصنع (محصل ضريبي) باع تاجر الجملة سلعة بسعر 100 د.ك، فهنا يكون على تاجر الجملة (مكلف مؤقت) أن يسدد مبلغ 5 د.ك، ويقوم بتسديدها للمصنع نقداً إضافة إلى سعر السلعة.
➢ المرحلة الثانية
لنفرض بأن تاجر الجملة (محصل ضريبي) قد قام بتوريد السلعة إلى تاجر التجزئة بسعر 110 د.ك، فهنا يكون على تاجر التجزئة (مكلف مؤقت) سداد مبلغ 5.5 د.ك كقيمة مضافة يدفعها تاجر التجزئة كاملة.
لكن تاجر الجملة لا يقوم بتحويل مبلغ 5.5 د.ك للخزينة العامة التي حصلها من تاجر التجزئة كاملة، بل يقوم بخصمه من المبلغ الذي سبق وأن سدده للمصنع، وهو 5 د.ك، فيكون على تاجر الجملة تحويل مبلغ 500 فلس للخزينة.
➢ المرحلة الثالثة
لنفرض بأن تاجر التجزئة (محصل ضريبي) قد قام ببيع السلعة إلى المستهلك بسعر 150 د.ك، فهنا يكون على المستهلك (مكلف نهائي) سداد مبلغ 7.5 د.ك كقيمة مضافة يدفعها المستهلك كاملة.
لكن تاجر التجزئة لا يقوم بتحويل مبلغ 7.5 د.ك للخزينة العامة التي حصلها من تاجر التجزئة كاملة، بل يقوم بخصمه من المبلغ الذي سبق وأن سدده لتاجر الجملة، وهو 5.5 د.ك ، فيكون على تاجر الجملة تحويل مبلغ 2 د.ك للخزينة.
وإذا جمعنا المبالغ التي تم تحويلها إلى الخزينة العامة وجدناها كالتالي:
5 د.ك + 500 فلس + 2 د.ك = 7.5 د.ك.
وإذا احتسبنا ضريبية القيمة المضافة على السعر النهائي للسلعة كما اشتراها المستهلك نجدها كالتالي:
150 (5%) = 7.5 د.ك
وبالتالي، تكون الخزينة العامة قد قامت بتحصيل قيمة الضريبة المضافة بشكل متراكم وفق مراحل التوريد.
ما هي الغاية من آلية الخصم؟
➢ تحويل المكلف إلى محصل؛ فالمكلف المؤقت قد تحول إلى شخص يعمل لمصلحة الإدارة الضريبية دون أن تتكلف هذه الإدارة بأي جهد أو مال.
لكن هذا التحول قد يؤدي إلى انتشار حالات التزوير في الفواتير التجارية؛ فيتم كتابة قيمة البضائع بأقل من قيمتها بهدف تخفيض القيمة المضافة المتراكمة، وبالتالي تخفيض قيمة السلع والخدمات وتسهيل توريدها وبيعها.
➢ التشجيع على الشراء من المنتج إلى المستهلك؛ فكلما كثرت مراحل التوريد، كلما ازدادت القيمة المضافة، وهذا كله يتحمله المستهلك، الأمر الذي قد يدفع المستهلكين نحو إيجاد بدائل؛ مثل الأسواق التي تجمع المنتجين بالمستهلكين دون مراحل توريد.
هذا الأمر يساهم في زيادة إنتاج المصانع وزيادة عمليات المستوردين، ويقلل من زيادة أسعار السلع، وهو ما يكافح تضخم الأسعار، ويزيد من المنافسة، ويخفض الأسعار على المستهلكين في مقابل المحافظة على ذات الجودة أو الارتقاء بها.
➢ التشجيع نحو الادخار وليس الاستهلاك؛ من الأهداف غير المباشرة للآلية الخصم هو تشجيع الناس على الادخار بدلاً من استهلاك سلع عليها قيم مضافة تزيد من تكلفة الاستهلاك وتجعل المستهلك ملزماً بسداد قيمة الضريبة نقداً مع كل مرة يستهلك فيها، في الوقت الذي لا يكون التاجر ملزماً بالسداد لأكثر من مرة واحدة عندما يكون مكلفاً مؤقتاً، ثم يحق له تحصيل مبلغ الضريبة والاحتفاظ بها بعد خصم ما دفعه.
➢ توفير بيئة مشجعة لرواد الأعمال؛ تساعد آلية الخصم على توفير بيئة خصبة لبناء الأعمال الجديدة الصغيرة أو المتوسطة التي تكون في حاجة لتوفير التمويل، في الوقت الذي لا تستطيع دفع الضرائب بمعدلات مرتفعة، كما أنها لا تستطيع تجميد أموالها التي يتم تسديدها في مرحلة التكليف المؤقت حتى يتم الاستهلاك النهائي، ولهذا فإن هذه الأعمال تستفيد من آلية الخصم في أن المبالغ التي سددتها تعود إليها مع أول مرحلة تالية للتوريد، وهذا يجعل السيولة تدور في يدها بسرعة من جديد.