المدونة : ضريبة القيمة المضافة .. والألية القانونية لتطبيقها في دول مجلس التعاون الخليجي
ما هي العمليات التي تؤدي إلى فرض ضريبة القيمة المضافة؟
في العلوم المالية الضريبية، لا يتم فرض الضريبة دون قيام واقعة تبرر فرض الضريبة.
ففي ضريبة الدخل الصافي تعتبر واقعة تحقيق الربح وفق البيانات المالية السنوية هي الواقعة التي يتم فرض ضريبة الدخل بناء عليها؛ ويكون المبرر من وراء ضريبة الدخل أن واقعة الدخل تثبت نجاح المشروع في ظل البيئة التي توفرها الدولة للمشروع، ولهذا يكون للدولة حق الحصول على نسبة من الأرباح على شكل ضريبة دخل.
أما بالنسبة إلى ضريبة القيمة المضافة، فإن الواقعة التي تفرض الضريبة ليست تشغيلا لرأس المال أو تحقيقا لإنجاز مالي معين، بل هي مجرد واقعة استهلاك السلع والخدمات، مهما كان الاستهلاك بسيطا.
وهذا يعني أن المبرر من وراء فرض ضريبة القيمة المضافة هو قدرة الشخص على الاستهلاك، الأمر الذي يعكس قدرته المالية الجيدة في ظل الظروف التي وفرتها الدولة، ولهذا تفرض الدولة عليه ضريبة تحتسب بنسبة مضافة على قيمة السلع أو الخدمات المستهلكة.
بناء عليه، فإن الوقائع التي تفرض الضريبة وفق الاتفاقية الخليجية لضريبة القيمة المضافة؛ هي:
أولا: توريد السلع
➢ التوريد التقليدي (م/5): وهو يعني نقل ملكية السلعة حتى يتم التصرف بها كمالك، ويشمل التوريد وفق الاتفاقية:
• نقل حيازة السلع مع الاتفاق على تحديد تاريخ لاحق لنقل ملكية السلع، على أن يكون أقصى تاريخ لنقل الملكية هو تاريخ سداد المقابل كاملا؛ مثل البيع بالتقسيط الذي تنتقل فيه حيازة السلع إلى المشتري قبل انتقال ملكيتها له بالكامل.
• منح حقوق عينية على العقارات بما يؤدي إلى نشوء حق استخدامها؛ مثل نقل حق المنفعة من عقار إلى شخص آخر مع الإبقاء على ملكية حق الرقبة على العقار.
• النقل القسري لملكية السلع؛ كأن يكون موضوع نقل الملكية دعوى قضائية حاز الحكم فيها درجة الحكم النهائي، وتم تنفيذه قسرا على البائع المدعى عليه.
يلاحظ بشكل واضح، أن المشرع الخليجي قد تجنب بشكل كبير ذكر عنصر: “المقابل” الذي تجري بناء عليه عمليات التوريد، وهذا بغرض عدم إفساح المجال للتهرب الضريبي عبر تمسك التاجر بعدم ثبوت تلقيه لمقابل لقاء نقل حيازة البضائع أو منح الحقوق العينية.
فعلى الرغم من أن ضريبة القيمة المضافة لا تنصب على التاجر في نهايتها بل على المستهلك، لكن للتاجر مصلحة في التهرب الضريبي، وهي توريد منتجاته بأسعار تقل عن أسعار المنتجات المحملة بعبء الضريبة، وهذا ما يزيد من أرباحه ويزيد من الطلب على منتجاته.
لكن في الواقع، يوجد حرص تشريعي زائد في الاتفاقية الخليجية، فالتاجر الذي يقوم بعمليات توريد تقليدية لا بد أنه قد تلقى مقابلا لها، فليس من المعقول أن يقوم بتوريد البضائع مجانا.
لذا كان يفضل أن يذكر المشرع عنصر المقابل في التوريد التقليدي حتى يميزه عن التوريد الخيري، على أن ينص على اعتبار أي توريد يجري من التاجر بأنه قد جرى بمقابل حتى يثبت العكس.
➢ التوريد المفترض: افترضت الاتفاقية –خشية من التهرب الضريبي- قيام واقعة التوريد التي تبرر فرض الضريبة في الحالات التالية (م/8):
• التصرف في سلع تشكل جزء من أصول المكلف بالضريبة، في الحالات التالية:
o التنازل عن السلع حتى لغير غايات النشاط الاقتصادي، ولو دون مقابل؛ مثل شراء شركة لمجموعة من السلع حتى تقوم باستخدامها خلال أعمالها، ثم تقرر توزيعها على شكل مكافآت للعاملين لديها.
o توريد السلع دون مقابل؛ وفي هذه الحالة تقوم شركة بتوريد السلع بغير مقابل من الأساس.
لكن تملك الدول الأعضاء أن تعفي مثل هذا التوريد من الضريبة، إذا كان -وفق أنظمة كل دولة- في سياق العمل كعينات وهدايا ذات قيمة زهيدة.
وقد تم تحديد هذه القيمة في المملكة العربية السعودية مثلا بما لا يتجاوز 200 ريال، ولا يتجاوز 50 ألف ريال كقيمة سنوية على أساس القيمة السوقية العادلة.
o تغيير استخدام السلع من نشاط خاضع للضريبة إلى نشاط غير خاضع لها؛ مثل قيام شركة بشراء سيارات لنقل موظفيها، ثم تقدم بعضها كهدايا لمسابقات تخص العملاء المميزين.
o الاحتفاظ بالسلع حتى بعد التوقف عن ممارسة النشاط الاقتصادي؛ وهي الحالة الوحيدة التي يتم فيها فرض الضريبة على مجرد الاحتفاظ بالسلعة حتى بعد إلغاء التسجيل الضريبي.
فمثلا؛ إذا احتفظ مالكو المشروع المتوقف بالسلعة بعد إلغاء ترخيص المشروع وتسجيله الضريبي، فهذا يظهر نيتهم في الاستمرار بالنشاط خارج إطار المشروع المتوقف، وإلا لكانوا باعوا السلع مع توقف المشروع أو خلال إجراءات التصفية والحل للشركة.
• استخدام سلع تشكل جزء من أصول المكلف بالضريبة لغير غايات النشاط الاقتصادي؛ كأن تكون الشركة مختصة بالمقاولات، وبدلا من استخدام آليات البناء في مشاريع الشركة، يقوم رئيس مجلس إدارة الشركة باستخدامها لبناء منزل ملكية خاصة له.
• توريد الخدمات بغير مقابل؛ مثل توفير شركة الاتصالات لخطوط جوال معفية من الأجور على سبيل المكافأة للموظفين.
بالتالي، فإن المورد الخاضع للضريبة ملزم بتسليم الإدارة الضريبية مبلغ ضريبة القيمة المضافة محسوبا على أساس القيمة السوقية العادلة (م/26-4)، حتى وإن كانت العملية لا تمت لنشاطه الاقتصادي في حقيقتها.
في الواقع، يبدو إخضاع عمليات التوريد المفترضة مبالغا فيه ضمن إطار مكافحة التهرب الضريبي، حيث إن حالات التوريد الافتراضي قد افترضت سوء النية في التاجر ورغبته بتغطية عمليات التوريد التجارية بصورة غير تجارية أو أن يقوم بفصلها عن نشاطها الاقتصادي بغرض التهرب الضريبي.